فصل: بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

المتن

إنَّمَا تَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

الشرحُ

وَ ‏(‏إنَّمَا تَتَعَيَّنُ‏)‏ أَيْ تَجِبُ وُجُوبَ عَيْنٍ لِصِحَّتِهَا ‏(‏عَلَى كُلِّ‏)‏ مُسْلِمٍ ‏(‏مُكَلَّفٍ‏)‏ أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ ‏(‏حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَخَوْفٍ وَعُرْيٍ وَجُوعٍ وَعَطَشٍ، فَلَا جُمُعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ إلَخْ، وَلِهَذَا أُسْقِطَ قَيْدُ الْإِسْلَامِ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا وَلَوْ قَصِيرًا لِاشْتِغَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا ‏(‏لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ‏)‏ لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَا عَلَى مَرِيضٍ، لِحَدِيثِ ‏(‏الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا أَرْبَعَةً‏:‏ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ‏)‏‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَأُلْحِقَ بِالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَلَا تَلْزَمُهُ، وَبِالْمَرِيضِ نَحْوُهُ كَمَا شَمِلَهُمَا قَوْلُهُ‏.‏

المتن

وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ‏)‏ مِمَّا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ فِي الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ الرِّيحَ بِاللَّيْلِ لَا يُمْكِنُ عُذْرُهَا، وَتَوَقَّفَ السُّبْكِيُّ فِي قِيَاسِ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَقَالَ‏:‏ كَيْفَ يُلْحَقُ فَرْضُ الْعَيْنِ بِمَا هُوَ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَا سَاوَتْ مَشَقَّتُهُ مَشَقَّةَ الْمَرَضِ يَكُونُ عُذْرًا قِيَاسًا عَلَى الْمَرَضِ الْمَنْصُوصِ، وَمَا لَا فَلَا إلَّا بِدَلِيلٍ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ الْجُمُعَةُ كَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ مُسْتَنَدُ الْأَصْحَابِ، وَمِنْ الْأَعْذَارِ‏:‏ الِاشْتِعَالُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَإِسْهَالٌ لَا يَضْبِطُ الشَّخْصُ نَفْسَهُ مَعَهُ، وَيُخْشَى مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْحَبْسَ عُذْرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِيهِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ، وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يَجِبُ إطْلَاقُهُ لِفِعْلِهَا وَالْغَزَالِيُّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي مَنْعِهِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَوْلَى وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْحَبْسِ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِإِقَامَتِهَا فَهَلْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي لَا يَعْسُرُ فِيهَا الِاجْتِمَاعُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ لَهُمْ أَمْ لَا ا هـ‏.‏ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ‏.‏

المتن

وَالْمُكَاتَبُ وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْمُكَاتَبُ‏)‏ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَشْعَرَ عَطْفُهُ عَلَى مَنْ يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي تَرْكِهَا فَإِنَّهُ رَقِيقٌ كَمَا مَرَّ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِيُشِيرَ إلَى خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ دُونَ الْقِنِّ ‏(‏وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ‏)‏ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِعَدَمِ كَمَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَتْ الْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ الْمَتْنِ أَنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا‏.‏

المتن

وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ‏)‏ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ كَمَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَذَلِكَ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ ‏(‏صَحَّتْ جُمُعَتُهُ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا إذَا أَجْزَأَتْ عَنْ الْكَامِلِينَ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ، فَأَصْحَابُ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ رِفْقًا بِهِمْ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ‏:‏ تُجْزِئُهُ الْجُمُعَةُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْزَاءَ يُشْعِرُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ جُمُعَةِ الْمُتَيَمِّمِ بِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَلَا تُجْزِئُهُ، وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُهَا لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِيَتَعَوَّدَ إقَامَتَهَا وَيَتَمَرَّنَ عَلَيْهَا كَمَا يُؤْمَرُ بِبَاقِي الصَّلَوَاتِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْعَجُوزُ إنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا‏.‏

المتن

وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ إلَّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ ‏(‏أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ‏)‏ وَنَحْوِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ النُّقْصَانُ لَا يَرْتَفِعُ بِحُضُورِهِمْ ‏(‏إلَّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ‏)‏ مِمَّنْ أُلْحِقَ بِهِ كَأَعْمَى لَا يَجِدُ قَائِدًا ‏(‏فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ‏)‏ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا ‏(‏إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ‏)‏ قَبْلَ انْصِرَافِهِ لِزَوَالِ الْمَشَقَّةِ بِالْحُضُورِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ‏)‏ فِعْلَهَا وَلَمْ تُقَمْ الصَّلَاةُ فَيَجُوزُ انْصِرَافُهُ‏.‏ أَمَّا إذَا أُقِيمَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَّا إذَا كَانَ ثَمَّ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ كَمَنْ بِهِ إسْهَالٌ ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فَأَحَسَّ بِهِ، بَلْ إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَبَقَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي الصَّلَاةِ كَانَ لَهُ الِانْصِرَافُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ زَادَ ضَرَرُ الْمَعْذُورِ بِتَطْوِيلِ الْإِمَامِ كَأَنْ قَرَأَ بِالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ كَانَ لَهُ الِانْصِرَافُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْجَامِعِ عَنْ الِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَلَوْ بِقَلْبِهَا ظُهْرًا لِتَلَبُّسِهِمْ بِالْفَرْضِ‏.‏

المتن

وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا

الشرحُ

‏(‏وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا‏)‏ مِلْكًا أَوْ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً وَلَوْ آدَمِيًّا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ‏)‏ عَلَيْهِمَا كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَالشَّيْخُ مَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ وَالْمَرْأَةُ شَيْخَةٌ وَتَصْغِيرُهُ شُيَيْخٌ، وَلَا يُقَالُ شُوَيْخٌ وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَالْهَرَمُ أَقْصَى الْكِبَرِ، وَالزَّمَانَةُ‏:‏ الِابْتِلَاءُ وَالْعَاهَةُ ‏(‏وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا‏)‏ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ يَجِدُهَا أَوْ مُتَبَرِّعًا أَوْ مِلْكًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْمَشْيَ بِالْعَصَا خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلضَّرَرِ‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْحُضُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الضَّرَرِ وَهَذَا لَا يَتَضَرَّرُ‏.‏

المتن

وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ عَالٍ فِي هُدُوٍّ مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ‏)‏ وَهُوَ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ الْمُسْتَوْطِنِينَ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ‏)‏ مِنْ مُؤَذِّنٍ ‏(‏عَالٍ‏)‏ يُؤَذِّنُ كَعَادَتِهِ فِي عُلُوِّ الصَّوْتِ ‏(‏فِي هُدُوٍّ‏)‏ أَيْ وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ وَالرِّيَاحُ رَاكِدَةٌ ‏(‏مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ‏)‏ مَعَ اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ ‏(‏لَزِمَتْهُمْ‏)‏ وَالْمُعْتَبَرُ سَمَاعُ مَنْ أَصْغَى إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ أَصَمَّ وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقَرْيَةَ كَالْمَدِينَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ‏.‏ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد ‏(‏الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ‏)‏ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى عَالٍ لِأَنَّهُ لَا ضَبْطَ لِحَدِّهِ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ‏:‏ قَالَ أَصْحَابُنَا‏:‏ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ فِي أَرْضٍ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَطَبَرِسْتَانَ وَتَابَعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنَّهَا بَيْنَ أَشْجَارٍ تَمْنَعُ بُلُوغَ الصَّوْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُلُوُّ عَلَى مَا يُسَاوِي الْأَشْجَارَ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ الْمُعْتَبَرُ السَّمَاعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ وَفِي ذَلِكَ مَانِعٌ فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ ا هـ‏.‏ وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَوْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ بَلَدَيْنِ فَحُضُورُ الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ أَوْلَى كَنَظِيرِهِ فِي الْجَمَاعَةِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ مُرَاعَاةُ الْأَبْعَدِ لِكَثْرَةِ الْأَجْرِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَلَا بَلَغَهُمْ الصَّوْتُ الْمَذْكُورُ ‏(‏فَلَا‏)‏ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ قَرْيَةٌ فَسَمِعَتْ وَلَوْ سَاوَتْ لَمْ تَسْمَعْ أَوْ انْخَفَضَتْ فَلَمْ تَسْمَعْ وَلَوْ سَاوَتْ لَسَمِعَتْ لَزِمَتْ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ، وَالْخَبَرُ السَّابِقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَوْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ لَلَزِمَتْ الْبَعِيدَ الْمُرْتَفِعَ دُونَ الْقَرِيبِ الْمُنْخَفِضِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ وُجِدَتْ قَرْيَةٌ فِيهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ فَدَخَلُوا بَلَدًا وَصَلَّوْهَا فِيهَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ، سَوَاءٌ سَمِعُوا النِّدَاءَ أَمْ لَا، وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَتِهِمْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لَا يَحْرُمُ‏:‏ لِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَحَضَرَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ النِّدَاءُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَوْ رَجَعُوا إلَى أَهْلِهِمْ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْأَصَحِّ، فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ كَأَنْ دَخَلَ عَقِبَ سَلَامِهِمْ مِنْ الْعِيدِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ تَرْكُهَا‏.‏

المتن

وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ الْجُمُعَةُ فِي طَرِيقِهِ أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ كَبَعْدِهِ فِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ السَّفَرُ مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ طَاعَةً جَازَ‏.‏ قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ أَنَّ الطَّاعَةَ كَالْمُبَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ‏)‏ الْجُمُعَةُ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا ‏(‏السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ‏)‏ لِأَنَّ وُجُوبَهَا تَعَلَّقَ بِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَفْوِيتُهُ، فَإِنْ خَالَفَ وَسَافَرَ لَمْ يَتَرَخَّصْ إلَّا إذَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ وَيُحْسَبُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ مِنْ فَوَاتِهَا لِانْتِهَاءِ سَبَبِ الْمَعْصِيَةِ ‏(‏إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ الْجُمُعَةُ فِي‏)‏ مَقْصِدِهِ أَوْ ‏(‏طَرِيقِهِ‏)‏ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ‏.‏ قَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ‏:‏ هَذَا إذَا لَمْ تَبْطُلْ جُمُعَةُ بَلَدِهِ بِسَبَبِهِ بِأَنْ يَنْقُصَ بِهِ عَدَدُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْجُمُعَةَ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ‏:‏ أَيْ فَهُوَ بَحْثٌ لَهُ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّهُمْ بِسَفَرِهِ يَصِيرُونَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ ‏(‏لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ‏)‏ وَإِلَّا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّفَرُ فَوْرًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَإِنْقَاذِ نَاحِيَةٍ وَطِئَهَا الْكُفَّارُ، أَوْ أَسْرَى اخْتَطَفُوهُمْ وَجُوِّزَ إدْرَاكُهُمْ، بَلْ الْوَجْهُ وُجُوبُ تَرْكِ الْجُمُعَةِ فَضْلًا عَنْ جَوَازِهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ التَّعْبِيرُ بِالْإِمْكَانِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِصِدْقِهِ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ وَمَعَ التَّرَدُّدِ عَلَى السَّوَاءِ، وَالْمُتَّجَهُ التَّحْرِيمُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَلَبَةُ ظَنِّ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِعِبَارَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِقَوْلِهِ‏:‏ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْإِدْرَاكِ، فَإِنَّ الْأَصْحَابَ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ وَيُرِيدُونَ بِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ ‏(‏أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ‏)‏ لَهَا ‏(‏عَنْ الرُّفْقَةِ‏)‏ فَلَا يَحْرُمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ بِلَا ضَرَرٍ لَيْسَ عُذْرًا‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ الصَّوَابُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكِفَايَةِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الظُّهْرَ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَبِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ ‏(‏وَقَبْلَ الزَّوَالِ‏)‏ وَأَوَّلُهُ الْفَجْرُ ‏(‏كَبَعْدِهِ فِي‏)‏ الْحُرْمَةِ فِي ‏(‏الْجَدِيدِ‏)‏ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْجُمُعَةُ فِي مَقْصِدِهِ أَوْ طَرِيقِهِ أَوْ تَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَالْقَدِيمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْوُجُوبِ‏:‏ وَهُوَ الزَّوَالُ، وَكَبَيْعِ النِّصَابِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ‏.‏ وَلِذَلِكَ يَجِبُ السَّعْيُ لَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ وَيُعْتَدُّ بِغُسْلِهَا وَفِي الْحَدِيثِ ‏(‏مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ‏)‏‏.‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْإِفْرَادِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي‏.‏ هَذَا ‏(‏إنْ كَانَ السَّفَرُ مُبَاحًا‏)‏ كَسَفَرِ تِجَارَةٍ وَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ ‏(‏وَإِنْ كَانَ طَاعَةً‏)‏ وَاجِبًا كَانَ كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ مَنْدُوبًا كَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏جَازَ‏)‏ قَطْعًا ‏(‏قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ‏)‏ وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ ‏(‏أَنَّ الطَّاعَةَ كَالْمُبَاحِ‏)‏ فَيَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِعَدَمِ صِحَّةِ نَصٍّ فِي التَّفْرِقَةِ‏.‏ وَيُكْرَهُ السَّفَرُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ وَارْتَضَاهُ‏.‏ وَفِي الْإِحْيَاءِ ‏(‏مَنْ سَافَرَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ‏)‏‏.‏

المتن

وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ فِي الْأَصَحِّ وَيُخْفُونَهَا إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ‏)‏ وَهُمْ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ ‏(‏تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ‏)‏ فِي وَقْتِهَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الطَّالِبَةِ لِلْجَمَاعَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ شِعَارُ الْجُمُعَةِ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانُوا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تُسْتَحَبُّ لَهُمْ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏وَيُخْفُونَهَا‏)‏ نَدْبًا ‏(‏إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ‏)‏ لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ تَرْكِ الْجُمُعَةِ تَسَاهُلًا، بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ‏:‏ يُكْرَهُ لَهُمْ إظْهَارُهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرٌ إذَا أَقَامُوهَا بِالْمَسَاجِدِ، فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا تُهْمَةَ فَلَا يُنْدَبُ الْإِخْفَاءُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يُنْدَبُ مُطْلَقًا‏.‏

المتن

وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ

الشرحُ

‏(‏وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ‏)‏ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ كَالْمَرِيضِ يَتَوَقَّعُ الْخِفَّةَ وَالرَّقِيقِ يَرْجُو الْعِتْقَ ‏(‏تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى الْيَأْسِ مِنْ‏)‏ إدْرَاكِ ‏(‏الْجُمُعَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَرْضِ أَهْلِ الْكَمَالِ، وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ بِأَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَأُيِّدَ بِمَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَصِحَّ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ لَازِمَةٌ فَلَا تُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِخِلَافِهَا هُنَا، ثُمَّ مَحَلُّ الصَّبْرِ إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ إذَا لَمْ يُؤَخِّرْهَا الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَإِلَّا فَلَا يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَلَوْ صَلَّى الْمَعْذُورُ قَبْلَ فَوَاتِهَا الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْهَا لَمْ تَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَ وَقْتِهِ إلَّا إنْ كَانَ خُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا، فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ‏.‏

المتن

وَلِغَيْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ تَعْجِيلُهَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُنْدَبُ ‏(‏لِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ عُذْرِهِ ‏(‏كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ‏)‏ الَّذِي لَا يَجِدُ مَرْكَبًا ‏(‏تَعْجِيلُهَا‏)‏ أَيْ الظُّهْرِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ‏:‏ هَذَا اخْتِيَارُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ‏.‏ وَقَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ‏:‏ هَذَا كَالْأَوَّلِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَطُ لَهَا، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالِاخْتِيَارُ التَّوَسُّطُ، فَيُقَالُ إنْ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهَا وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ تَمَكَّنَ أَوْ نَشَطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّوَسُّطِ شَيْءٌ أَبْدَاهُ لِنَفْسِهِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ إنْ كَانَ جَازِمًا جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ يَعِنُّ لَهُ بَعْدَ الْجَزْمِ أَنَّهُ يَحْضُرُ، وَكَمْ مِنْ جَازِمٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ ا هـ‏.‏ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ‏:‏ هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَنَسَبَهُ الْقَاضِي لِلْأَصْحَابِ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمَذْهَبُ‏.‏

المتن

وَلِصِحَّتِهَا مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا شُرُوطٌ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ وَقْتُ الظُّهْرِ فَلَا تُقْضَى جُمُعَةً‏.‏

الشرحُ

وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ زَائِدَةٍ عَلَى غَيْرِهَا، وَقَدْ شَرَعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ‏(‏وَلِصِحَّتِهَا‏)‏ أَيْ الْجُمُعَةِ ‏(‏مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا‏)‏ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ‏(‏شُرُوطٌ‏)‏ خَمْسَةٌ ‏(‏أَحَدُهَا‏:‏ وَقْتُ الظُّهْرِ‏)‏ بِأَنْ تَقَعَ كُلُّهَا فِيهِ لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ‏.‏ لَنَا ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ‏)‏، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِأَنَّهُمَا فَرْضَا وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَخْتَلِفْ وَقْتُهُمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ وَصَلَاةِ السَّفَرِ ‏(‏فَلَا تُقْضَى‏)‏ إذَا فَاتَتْ ‏(‏جُمُعَةٌ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، بَلْ تُقْضَى ظُهْرًا بِالْإِجْمَاعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَا تُقْضَى بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَهُوَ الْقَضَاءُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ كَمَا فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ‏.‏

المتن

فَلَوْ ضَاقَ عَنْهَا صَلَّوْا ظُهْرًا‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَلَوْ ضَاقَ‏)‏ الْوَقْتُ ‏(‏عَنْهَا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ يَقْتَصِرُ فِيهِمَا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ‏(‏صَلَّوْا ظُهْرًا‏)‏ كَمَا لَوْ فَاتَ شَرْطُ الْقَصْرِ لَزِمَ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي الْجُمُعَةِ حِينَئِذٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ‏.‏ وَلَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا لَمْ يَجُزْ الشُّرُوعُ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ‏.‏ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ مَدَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى حَتَّى تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ الثَّانِيَةَ هَلْ تَنْعَقِدُ ظُهْرًا الْآنَ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَرُجِّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ‏.‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ فِي الْيَوْمِ هَلْ يَحْنَثُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا وَالرَّاجِحُ غَدًا‏.‏

المتن

وَلَوْ خَرَجَ وَهُمْ فِيهَا وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً، وَفِي قَوْلٍ اسْتِئْنَافًا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ خَرَجَ‏)‏ الْوَقْتُ ‏(‏وَهُمْ فِيهَا‏)‏ فَاتَتْ سَوَاءٌ أَصَلَّى فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا فَفَاتَتْ بِفَوَاتِهِ كَالْحَجِّ ‏(‏وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً‏)‏ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْهَا فَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا وَقْتٍ وَاحِدٍ فَجَازَ بِنَاءُ أَطْوَلِهِمَا عَلَى أَقْصَرِهِمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ مَعَ السَّفَرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الظُّهْرِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ مُخَرَّجٍ ‏(‏اسْتِئْنَافًا‏)‏ فَيَنْوُونَ الظُّهْرَ حِينَئِذٍ، وَهَلْ يَنْقَلِبُ مَا فَعَلَ مِنْ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا أَوْ يَبْطُلُ ‏؟‏ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلُ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَوَّلًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْنِي، وَعَلَى الثَّانِي يَسْتَأْنِفُ‏.‏ وَقَضِيَّةُ هَذَا الْبِنَاءِ تَرْجِيحُ الثَّانِي، لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا كَمَا مَرَّ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الْأَشْبَهُ أَنَّهُمْ إنْ شَاءُوا أَتَمُّوهَا ظُهْرًا وَإِنْ شَاءُوا قَلَبُوهَا نَفْلًا وَاسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ، وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الْبِنَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ اتِّحَادُ التَّرْجِيحِ‏.‏ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْوَقْتِ وَهْمٌ فِيهَا لَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يُؤَثِّرُ كَالشَّكِّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا، وَلَوْ أَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ‏.‏ فَالْأَوْجَهُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ فِي إتْمَامِهَا جُمُعَةً عَمَلًا بِخَبَرِ الْعَدْلِ كَمَا فِي غَالِبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ‏.‏

المتن

وَالْمَسْبُوقُ كَغَيْرِهِ‏.‏ وَقِيلَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا ‏(‏الْمَسْبُوقُ‏)‏ الْمُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَهُوَ ‏(‏كَغَيْرِهِ‏)‏ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ قِيَامِهِ إلَى الثَّانِيَةِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَيَقْتَصِرَ عَلَى الْفَرَائِضِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ إلَّا بِذَلِكَ ‏(‏وَقِيلَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً‏)‏ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ، وَهِيَ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَوْ سَلَّمُوا مِنْهَا هُمْ، أَوْ الْمَسْبُوقُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ عَالِمِينَ بِخُرُوجِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَتَعَذَّرَ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ بِخُرُوجِهِ لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ، فَسَلَامُهُمْ كَالسَّلَامِ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ عَمْدًا، وَلَوْ قَلَبُوهَا نَفْلًا قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَلَبُوا الظُّهْرَ نَفْلًا وَإِنْ سَلَّمُوا جَاهِلِينَ بِخُرُوجِهِ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا لِعُذْرِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ لَمْ يَنْحَطَّ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْوَقْتُ فِيمَا يَتَدَارَكُهُ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِلْقَوْمِ كَمَا حَطَّ عَنْهُ الْقُدْوَةَ وَالْعَدَدَ لِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِرِعَايَتِهِ أَكْثَرَ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الِانْفِضَاضِ الْمُخِلِّ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِ فِي فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ خَارِجَ الْوَقْتِ‏.‏ وَلَوْ سَلَّمَ الْأُولَى الْإِمَامُ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَهَا الْبَاقُونَ خَارِجَهُ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ فَقَطْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ، وَكَذَا جُمُعَةُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ لَوْ نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعِينَ كَأَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِيهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَعَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ تَبَيَّنَ حَدَثُ الْمَأْمُومِينَ دُونَ الْإِمَامِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَيَانِ مَعَ عَدَمِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِمْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا أَنَّ الْمُحْدِثَ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا، بِخِلَافِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ‏.‏

المتن

الثَّانِي‏:‏ أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الثَّانِي‏)‏ مِنْ الشُّرُوطِ ‏(‏أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ‏:‏ أَيْ الْمُصَلِّينَ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَسْجِدٍ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْإِقَامَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَالْخِطَّةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ‏:‏ الْأَرْضُ الَّتِي خَطَّ عَلَيْهَا إعْلَامًا بِأَنَّهُ اخْتَارَهَا لِلْبِنَاءِ، وَأَرَادَ بِهَا الْمُصَنِّفُ الْأَمْكِنَةَ الْمَعْدُودَةَ مِنْ الْبَلَدِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْأَبْنِيَةُ مُجْتَمِعَةً، وَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ الْأَبْنِيَةُ وَأَقَامُوا لِعِمَارَتِهَا لَمْ يَضُرَّ انْهِدَامُهَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَظَالٍّ لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ، وَلَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا فِي هَذَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلُوا مَكَانًا وَأَقَامُوا فِيهِ لِيَعْمُرُوهُ قَرْيَةً لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّتْ طَائِفَةٌ خَارِجَ الْأَبْنِيَةِ خَلْفَ جُمُعَةٍ مُنْعَقِدَةٍ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي لِعَدَمِ وُقُوعِهَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَسَوَاءٌ فِي الْأَبْنِيَةِ الْبِلَادُ وَالْقُرَى وَالْأَسْرَابُ الَّتِي تُسْتَوْطَنُ جَمْعُ سَرَبٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ‏:‏ بَيْتٌ فِي الْأَرْضِ وَالْبِنَاءُ بِالْخَشَبِ وَغَيْرِهِ كَطِينٍ وَقَصَبٍ وَسَعَفٍ، وَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي فَضَاءٍ مَعْدُودٍ مِنْ الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمَعَةِ بِحَيْثُ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَمَا فِي الْكِنِّ الْخَارِجِ عَنْهَا الْمَعْدُودِ مِنْهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْدُودِ مِنْهَا، فَمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الْكِنِّ الْخَارِجِ عَنْهَا أَرَادَ هَذَا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْقُرَى يُؤَخِّرُونَ الْمَسْجِدِ عَنْ جِدَارِ الْقَرْيَةِ قَلِيلًا صِيَانَةً لَهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْبَهَائِمِ، وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِيهِ بَعِيدٌ، وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ‏.‏ قَالَ أَصْحَابُنَا‏:‏ لَوْ بَنَى أَهْلُ الْبَلَدِ مَسْجِدَهُمْ خَارِجَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبِنَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ لَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ الْقَرْيَةِ ا هـ‏.‏ وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ بِحَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ‏.‏

المتن

وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ أَبَدًا فَلَا جُمُعَةَ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ‏)‏ أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا ‏(‏أَبَدًا‏)‏ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ النِّدَاءُ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ ‏(‏فَلَا جُمُعَةَ‏)‏ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَبْنِيَةُ الْمُسْتَوْطِنِينَ، وَلِأَنَّ قَبَائِلَ الْعَرَبِ كَانُوا مُقِيمِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَمَا كَانُوا يُصَلُّونَهَا، وَمَا أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا‏.‏ وَالثَّانِي تَجِبُ وَيُقِيمُونَهَا فِي مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ وَطَنُهُمْ، أَمَّا إذَا بَلَغَهُمْ النِّدَاءُ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ لَمْ يُلَازِمُوهُ أَبَدًا بِأَنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِمْ جَزْمًا‏.‏

المتن

الثَّالِثُ‏:‏ أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا إلَّا إذَا كَبُرَتْ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان، وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ مِنْ الشُّرُوطِ ‏(‏أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا‏)‏ وَلَوْ عَظُمَتْ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ فِعْلُهَا فِي مَسْجِدَيْنِ لَجَازَ فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا ‏(‏إلَّا إذَا كَبُرَتْ‏)‏ أَيْ الْبَلْدَةُ ‏(‏وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ مَوْضِعٌ يَسَعُهُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدٍ فَيَجُوزُ التَّعَدُّدُ لِلْحَاجَةِ بِحَسَبِهَا، لِأَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَخَلَ بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ بِهَا جُمُعَتَيْنِ، وَقِيلَ‏:‏ ثَلَاثًا فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ وَلَا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَهُ، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ‏:‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِهِ أَفْتَى الْمُزَنِيّ بِمِصْرَ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُسْرِ بِمَنْ يُصَلِّي كَمَا قَالَهُ شَيْخِي لَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ، وَلَا بِجَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ ‏(‏وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ‏)‏ وَتُحْتَمَلُ فِيهَا الْمَشَقَّةُ فِي الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمُتَابِعِيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَإِنَّمَا سَكَتَ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّعَدُّدِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ هَذَا بَعِيدٌ، ثُمَّ انْتَصَرَ لَهُ وَصَنَّفَ فِيهِ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا، وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنْكَرَ نِسْبَةَ الْأَوَّلِ لِلْأَكْثَرِ وَأَطْنَبَ فِي ذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ صَلَّى جُمُعَةً بِبَلَدٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ جُمُعَتِهِ أَنْ يُعِيدَهَا ظُهْرًا‏.‏

المتن

وَقِيلَ إنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شِقَّيْهَا كَانَا كَبَلَدَيْنِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَقِيلَ إنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شِقَّيْهَا‏)‏ كَبَغْدَادَ ‏(‏كَانَا‏)‏ أَيْ الشِّقَّانِ ‏(‏كَبَلَدَيْنِ‏)‏ فَتُقَامُ فِي كُلِّ شِقٍّ جُمُعَةٌ‏.‏

المتن

وَقِيلَ إنْ كَانَتْ قُرًى فَاتَّصَلَتْ تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا، فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ، وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَقِيلَ إنْ كَانَتْ‏)‏ أَيْ الْبَلْدَةُ ‏(‏قُرًى فَاتَّصَلَتْ‏)‏ أَبْنِيَتُهَا ‏(‏تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا‏)‏ فَتُقَامُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ جُمُعَةٌ كَمَا كَانَ ‏(‏فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ‏)‏ فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ التَّعَدُّدُ فِيهِ ‏(‏فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ‏)‏ لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهَا، وَاللَّاحِقَةُ بَاطِلَةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدَةٍ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ‏)‏ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا ‏(‏فَهِيَ الصَّحِيحَةُ‏)‏ حَذَرًا مِنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ وَمِنْ تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُصَلِّينَ مَعَهُ بِإِقَامَةِ الْأَقَلِّ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَيَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ خَطِيبٍ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ هُوَ كَالسُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ ا هـ‏.‏ ‏.‏ وَقَالَ الْجِيلِيُّ‏:‏ الْمُرَادُ بِهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ خَلِيفَتُهُ فِي الْإِمَامَةِ أَوْ الرَّاتِبُ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ هَذَا الْقَوْلُ مُقَيَّدٌ فِي الْأُمِّ بِأَنْ لَا يَكُونَ وَكِيلُ الْإِمَامِ مَعَ السَّابِقَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَالْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ‏.‏

المتن

وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ، وَقِيلَ التَّحَلُّلُ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شَكَّ اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ صَلَّوْا ظُهْرًا، وَفِي قَوْلٍ جُمُعَةً‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ‏)‏ بِتَمَامِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ الرَّاءُ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْآخَرُ بِالْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّ بِهِ الِانْعِقَادَ مِنْ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ‏:‏ الْعِبْرَةُ بِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ الْهَمْزَةُ مِنْ اللَّهِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا أَحْرَمَ إمَامُ جُمُعَةٍ ثُمَّ إمَامُ أُخْرَى بِهَا ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ثُمَّ بِالْأَوَّلِ مِثْلُهُمْ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، إذْ بِإِحْرَامِهِ تَعَيَّنَتْ جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى، وَقِيلَ‏:‏ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا عِبْرَةَ بِهِ مَعَ وُجُودِ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَ الْقَوْمُ خَارِجَهُ أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ لِلْجَمِيعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْعَدَدِ لَا بِالْإِمَامِ وَحْدَهُ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ الْمُعْتَبَرُ سَبْقُ ‏(‏التَّحَلُّلِ‏)‏ وَهُوَ تَمَامُ السَّلَامِ لِلْأَمْنِ مَعَهُ مِنْ عُرُوضِ فَسَادِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ السَّبْقُ ‏(‏بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ‏)‏ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ فَأَخْبَرُوهُمْ بِأَنَّ طَائِفَةً سَبَقَتْهُمْ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا وَاسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ وَهُوَ أَفْضَلُ لِيَصِحَّ ظُهْرُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ ‏(‏فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شَكَّ‏)‏ فِي الْمَعِيَّةِ، فَلَمْ يَدْرِ أَوَقَعَتَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا ‏(‏اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ‏)‏ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَدَافُعِهِمَا فِي الْمَعِيَّةِ، فَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ، قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُمْ إذَا أَعَادُوا الْجُمُعَةَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ مُشْكِلٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى، فَالْيَقِينُ أَنْ يُقِيمُوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَمَا قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كَافِيَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالُوهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ‏.‏ قَالَ غَيْرُهُ‏:‏ وَلِأَنَّ السَّبْقَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَوْ يُظَنَّ لَمْ يُؤَثِّرْ احْتِمَالُهُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ أَوْ ظَنِّهِ لَا إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ ‏(‏وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ‏)‏ كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَجَهِلَا الْمُتَقَدِّمَ فَأَخْبَرَاهُمْ بِالْحَالِ، وَالْعَدْلُ الْوَاحِدُ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا ‏(‏أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ‏)‏ بَعْدَهُ ‏(‏صَلَّوْا ظُهْرًا‏)‏ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وُقُوعَ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ جُمُعَةٍ بَعْدَهَا وَالطَّائِفَةُ الَّتِي صَحَّتْ لَهَا الْجُمُعَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَالْأَصْلُ‏.‏ بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الظُّهْرُ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ جُمُعَةٌ‏)‏ لِأَنَّ الْمَفْعُولَتَيْنِ غَيْرُ مُجْزِئَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الِالْتِبَاسَ يَجْعَلُ الصَّحِيحَةَ كَالْعَدَمِ فَصَارَ وُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا‏.‏ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ فِي الثَّانِيَةِ بِالْأَوَّلِ‏.‏ وَقَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنْ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ حَدَثٌ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْجَمْعُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا مَعَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا كَالْجُمُعَتَيْنِ الْمُحْتَاجِ إلَى إحْدَاهُمَا، فَفِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُرْهَانُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ‏.‏

المتن

الرَّابِعُ‏:‏ الْجَمَاعَةُ وَشَرْطُهَا كَغَيْرِهَا، وَأَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا مُسْتَوْطِنًا لَا يَظْعَنُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ، وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى‏.‏ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الرَّابِعُ‏)‏ مِنْ الشُّرُوطِ ‏(‏الْجَمَاعَةُ‏)‏ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ فَلَا تَصِحُّ بِالْعَدَدِ فُرَادَى، إذْ لَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهَا كَذَلِكَ، وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ، بِخِلَافِ الْعَدَدِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً بِأَرْبَعِينَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَتَمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةُ ‏(‏وَشَرْطُهَا كَغَيْرِهَا‏)‏ مِنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَالْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ إلَّا فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فَتَجِبُ هُنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ، ‏(‏وَأَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ‏)‏ مِنْهُمْ الْإِمَامُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا‏)‏‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ قَالَ أَصْحَابُنَا‏:‏ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ، وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ، فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فِيهِ تَوْقِيفٌ‏.‏ وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ، وَثَبَتَ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا بِأَرْبَعِينَ وَفِيهِمْ أُمِّيٌّ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ لِارْتِبَاطِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ‏.‏ وَشَرْطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا ‏(‏مُكَلَّفًا‏)‏ أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا ‏(‏حُرًّا‏)‏ كُلًّا ‏(‏ذَكَرًا‏)‏ لِأَنَّ أَضْدَادَهُمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ لِنَقْصِهِمْ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهَا إنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ رَفْعًا بِهِ لَا لِنَقْصِهِ ‏(‏مُسْتَوْطِنًا‏)‏ بِمَحَلِّهَا ‏(‏لَا يَظْعَنُ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ‏)‏ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْكُفَّارِ وَلَا بِالنِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى، وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَمَنْ فِيهِمْ رِقٌّ لِنَقْصِهِمْ وَلَا بِغَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِينَ، كَمَنَ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَوْ طَوِيلَةً كَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، وَلَا بِالْمُتَوَطَّنِينَ خَارِجَ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ بِمَحَلِّهَا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ أَوْ لَا ‏؟‏ اشْتَرَطَ الْبَغَوِيّ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَالرَّاجِحُ صِحَّةُ تَقَدُّمِ إحْرَامِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ بَلْ صَوَّبَهُ وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ، وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَقَدُّمُ إحْرَامِ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى إمَامَتِهِ فِيهَا، وَلِلْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ فِي تَكْلِيفِهِ مَعْرِفَةَ تَقَدُّمِ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ عَلَى إحْرَامِهِ ‏(‏وَالصَّحِيحُ‏)‏ مِنْ قَوْلَيْنِ ‏(‏انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى‏)‏ لِأَنَّهُمْ كَامِلُونَ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفٌ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا كَالْمُسَافِرِينَ، وَالْخِلَافُ قَوْلَانِ لَا وَجْهَانِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَظْهَرِ ‏(‏وَ‏)‏ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْنِ أَيْضًا ‏(‏أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ‏)‏ إذَا كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ‏.‏ وَالثَّانِي، وَنُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْجُمُعَةِ التَّعَبُّدُ، فَلَا يُنْتَقَلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ‏.‏ ‏.‏ وَتَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ، لَكِنْ عَنْ النَّصِّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ يَكْفُرُ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافَ‏]‏‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ ادَّعَى رُؤْيَتَهُمْ عَلَى مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا تَصَوَّرُوا فِي صُورَةِ بَنِي آدَمَ وَنَحْوِهِمْ ا هـ‏.‏ وَهَذَا حَسَنٌ‏.‏ وَلَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ أَخْرَسَ فَهَلْ تَنْعَقِدُ جُمُعَتُهُمْ ‏؟‏ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ‏:‏ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ا هـ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ الْجَزْمُ بِالِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُطْبَةِ‏.‏ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ، فَكَانَ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ كَالْوَقْتِ‏.‏ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن

وَلَوْ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ يُحْسَبْ الْمَفْعُولُ فِي غَيْبَتِهِمْ، وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ عَلَى هَذَا ‏(‏لَوْ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ‏)‏ الْحَاضِرُونَ ‏(‏أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ يُحْسَبْ الْمَفْعُولُ‏)‏ مِنْ أَرْكَانِهَا ‏(‏فِي غَيْبَتِهِمْ‏)‏ لِعَدَمِ سَمَاعِهِمْ لَهُ‏.‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمَعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافَ‏]‏‏.‏ قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ‏:‏ الْمُرَادُ بِهِ الْخُطْبَةُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ أَرْبَعُونَ جَمِيعَ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ، وَلَا يَأْتِي هُنَا الْخِلَافُ الْآتِي فِي الِانْفِضَاضِ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُصَلٍّ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يَتَسَامَحَ فِي نُقْصَانِ الْعَدَدِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُطْبَةِ إسْمَاعُ النَّاسِ، فَإِذَا انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ بَطَلَ حُكْمُ الْخُطْبَةِ، وَإِذَا انْفَضَّ بَعْضُهُمْ بَطَلَ حُكْمُ الْعَدَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَرْبَعِينَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ الْكَامِلِ أَرْبَعُونَ فَانْفَضَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَضُرَّ‏.‏ وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ عَلَى الْمَتْنِ ‏(‏وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى‏)‏ مِنْهَا ‏(‏إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ‏)‏ عُرْفًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ ‏(‏وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا‏)‏ وَعَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ لِمَا مَرَّ ‏(‏فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ‏)‏ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ‏(‏وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ‏)‏ فِيهِمَا لِلْخُطْبَةِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ إلَّا مُتَوَالِيًا، وَكَذَا الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ لَهَا مَوْقِعٌ فِي اسْتِمَالَةِ النَّفْسِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُطْبَةِ هُوَ الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ، وَمِنْ الصَّلَاةِ إيقَاعُ الْفَرْضِ فِي جَمَاعَةٍ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ التَّفْرِيقِ، وَخَرَجَ بِعَادُوا مَا لَوْ عَادَ بَدَلُهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْنَافِ وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ‏.‏

المتن

وَإِنْ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، وَفِي قَوْلٍ لَا إنْ بَقِيَ اثْنَانِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَإِنْ انْفَضُّوا‏)‏ أَيْ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ ‏(‏فِي الصَّلَاةِ‏)‏ بِأَنْ أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ أَبْطَلُوهَا ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ أَيْ الْجُمُعَةُ لِفَوَاتِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ فِي دَوَامِهَا فَيُتِمُّهَا مَنْ بَقِيَ ظُهْرًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَتَبَطَّأَ الْمَأْمُومُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ أَحْرَمُوا، فَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ أَدْرَكُوا الرُّكُوعَ مَعَ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا لِإِدْرَاكِهِمْ الرُّكُوعَ وَالْفَاتِحَةَ مَعَهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَسَبَقَهُ فِي الْأَوَّلِ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ إدْرَاكُهُمْ الرَّكْعَةَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ‏.‏ وَقَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ‏.‏ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ‏:‏ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ إحْرَامِهِ وَإِحْرَامِهِمْ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ لَا‏)‏ تَبْطُلُ ‏(‏إنْ بَقِيَ‏)‏ اثْنَا عَشَرَ مَعَ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ ‏(‏أَنَّهُمْ انْفَضُّوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً‏}‏ ‏[‏الْجُمُعَةَ الْآيَةَ‏]‏، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعِينَ لَا تُشْتَرَطُ فِي دَوَامِ الصَّلَاةِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ، وَرَجَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ فِي الصَّلَاةِ وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْخُطْبَةِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ فَلَعَلَّهُمْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَفِي قَوْلٍ لَا تَبْطُلُ إنْ بَقِيَ ‏(‏اثْنَانِ‏)‏ مَعَ الْإِمَامِ اكْتِفَاءً بِدَوَامِ مُسَمَّى الْجَمْعِ، وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ إنَّهُ يَكْفِي بَقَاءُ وَاحِدٍ مَعَهُ لِوُجُودِ اسْمِ الْجَمَاعَةِ، وَفِي رَابِعٍ أَنَّهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ، وَفِي خَامِسٍ إنْ حَصَلَ الِانْفِضَاضُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتْ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ وَالْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ انْفِضَاضُ مُسَمَّى الْعَدَدِ لَا الَّذِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ ثُمَّ انْفَضُّوا بَعْدَ إحْرَامِ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ لَمْ يَسْمَعُوهَا أَتَمَّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ صَارَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا، فَسَقَطَ عَنْهُمْ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ، وَإِنْ انْفَضُّوا قَبْلَ إحْرَامِهِمْ بِهِ اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ بِهِمْ، فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِدُونِهَا، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ لِانْتِفَاءِ سَمَاعِهِمْ وَلُحُوقِهِمْ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِمْ فَانْفَضُّوا إلَّا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ فَكَمُلُوا أَرْبَعِينَ بِخُنْثَى، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ انْفِضَاضِهِمْ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ لِلشَّكِّ فِي تَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَإِلَّا صَحَّتْ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْعِقَادِهَا وَصِحَّتِهَا وَشَكَكْنَا فِي نَقْصِ الْعَدَدِ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ، وَالْأَصْلُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا نُبْطِلُهَا بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ هَلْ كَانَ مَسَحَ رَأْسَهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ‏.‏

المتن

وَتَصِحُّ خَلْفَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ فِي الْأَظْهَرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْجُمُعَةُ ‏(‏خَلْفَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ أَيْ خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ ‏(‏إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ‏)‏ لِصِحَّتِهَا مِنْهُمْ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُمْ وَالْعَدَدُ قَدْ وُجِدَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَجُمُعَةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ، وَالِاقْتِدَاءُ بِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ فِيهَا جَائِزٌ‏.‏ وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُكْنٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْكَمَالُ كَالْأَرْبَعِينَ بَلْ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَنَفِّلًا فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُهُ بِالْأَظْهَرِ فِي الثَّلَاثَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ طَرِيقَةُ الْقَطْعِ بِالصِّحَّةِ لَا طَرِيقَةُ الْخِلَافِ‏.‏ وَالثَّانِي أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى تَقْدِيرِ إثْبَاتِهِ فِيهِمَا وَجْهَانِ لَا قَوْلَانِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْعَطْفَ إذَا كَانَ بِالْوَاوِ لَا يُفْرَدُ الضَّمِيرُ‏.‏ أَمَّا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِوَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ فَلَا تَصِحُّ جَزْمًا‏.‏

المتن

وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ‏)‏ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةُ تَقُومُ بِالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَإِذَا بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا بَانَ أَنْ لَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا جَمَاعَةَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْأَوَّلِ وَصَحَّحَهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ ‏(‏فَلَا‏)‏ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ جَزْمًا لِأَنَّ الْكَمَالَ شَرْطٌ فِي الْأَرْبَعِينَ كَمَا مَرَّ وَلَوْ بَانَ حَدَثُ الْأَرْبَعِينَ الْمُقْتَدِينَ بِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَةُ مَنْ كَانَ مُحْدِثًا، وَتَصِحُّ جُمُعَةُ الْإِمَامِ فِيهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْعِلْمَ بِطَهَارَتِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ نِسَاءً لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِهِمْ‏.‏ أَمَّا الْمُتَطَهِّرُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ فَتَصِحُّ جُمُعَتُهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْقَمُولِيُّ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعَ فَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْعَدَدُ فِيهَا، وَلِهَذَا شَرَطْنَاهُ فِي عَكْسِهِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ بَلْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ، وَاحْتَمَلَ فِيهِ حَدَثُهُمْ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ مُنْفَرِدًا فَاغْتُفِرَ لَهُ مَعَ عُذْرِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِلْمُتَطَهِّرِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ تَبَعًا لَهُ‏.‏

المتن

وَمَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَمَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ‏)‏ أَيْ الَّذِي بَانَ حَدَثُهُ ‏(‏رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِيَتَحَمَّلَ بِهِ عَنْ الْغَيْرِ، وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ وَإِنْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُحْسَبُ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ كُلَّ الرَّكْعَةِ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا لَمْ يَأْتِ بِالْقِرَاءَةِ، وَالْإِمَامُ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ كَامِلَةً مَعَ الْإِمَامِ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا صَحَّتْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِزِيَادَتِهَا كَمُصَلٍّ صَلَاةً كَامِلَةً خَلْفَ مُحْدِثٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِإِمَامَةِ الْجُمُعَةِ بِحَالٍ‏.‏

المتن

الْخَامِسُ‏:‏ خُطْبَتَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الْخَامِسُ‏)‏ مِنْ الشُّرُوطِ ‏(‏خُطْبَتَانِ‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏(‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا‏)‏ وَكَوْنُهُمَا ‏(‏قَبْلَ الصَّلَاةِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ شَذَّ مَعَ خَبَرِ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ وَلَمْ يُصَلِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بَعْدَهُمَا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خُطْبَتَيْنِ، بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّ خُطْبَتَيْهِ مُؤَخَّرَتَانِ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى جَمَاعَةً فَأُخِّرَتْ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ، وَلِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَشْرُوطِهِ‏.‏

المتن

وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ‏:‏ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيِّنٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ‏)‏ الْأَوَّلُ ‏(‏حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَافْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ‏.‏ قَالَ الْقَمُولِيُّ‏:‏ وَفِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إشْكَالٌ، فَإِنَّ الْخُطْبَةَ الْمَرْوِيَّةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ فِعْلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَيَبْعُدُ الِاتِّفَاقُ عَلَى فِعْلِ سُنَّةٍ دَائِمًا، وَقَالَ إنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ ا هـ‏.‏ وَيَدُلُّ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ، وَمَا فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمْ خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّك عَبْدِي وَرَسُولِي‏)‏ ‏(‏وَلَفْظُهُمَا‏)‏ أَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ ‏(‏مُتَعَيِّنٌ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّهُ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَصْرِنَا، فَلَا يُجْزِئُ الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا الْعَظَمَةُ وَالْجَلَالُ وَالْمَدْحُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدِ بَلْ يُجْزِئُ بِحَمْدِ اللَّهِ، أَوْ أَحْمَدُ اللَّهَ، أَوْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوْ اللَّهُ أَحْمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيقَةِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْحَاوِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَصَرَّحَ الْجِيلِيُّ بِإِجْزَاءِ أَنَا حَامِدٌ لِلَّهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّرْحَيْنِ تُعَيِّنُ لَفْظَ الْحَمْدِ لِلَّهِ بِاللَّامِ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ اللَّهِ فَلَا يُجْزِئُ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا فِي التَّكْبِيرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، بَلْ يُجْزِئُ أُصَلِّي أَوْ نُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ أَحْمَدَ أَوْ الرَّسُولِ أَوْ النَّبِيِّ أَوْ الْمَاحِي أَوْ الْعَاقِبِ أَوْ الْحَاشِرِ أَوْ النَّاشِرِ أَوْ النَّذِيرِ، وَلَا يَكْفِي رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى جِبْرِيلَ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيِّنٌ إنْ أَرَادَ تَعْيِينَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ دُونَ لَفْظِ اللَّهِ وَرَسُولِ اللَّهِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ يَتَعَيَّنُ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ أَرَادَ تَعَيَّنَ الْمَذْكُورُ بِجُمْلَتِهِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا مَرَّ أَيْضًا، وَمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ لَفْظَ الضَّمِيرِ لَا يَكْفِي هُوَ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ، وَجَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ ‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَالتَّحْذِيرُ ‏(‏وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا‏)‏ أَيْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ وَالْحَمْلُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الْمَوْعِظَةِ طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا كَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ، وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ غُرُورِ الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا فَقَدْ يَتَوَاصَى بِهِ مُنْكِرُ الْبَعْثِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَالْحَمْلُ عَلَى الطَّاعَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَيَكُونُ لَفْظُ التَّقْوَى لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ اللَّفْظَيْنِ لَا الْوَصِيَّةِ وَلَا التَّقْوَى، وَهُوَ مَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَجَزَمَ الْإِسْنَوِيُّ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَفَسَّرَ بِهِ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ‏.‏ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي لَفْظِ الْوَصِيَّةِ وَلَا يَجِبُ لَفْظُ التَّقْوَى قَطْعًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ أَطِيعُوا اللَّهَ ‏(‏وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ‏)‏ الْأَرْكَانُ الْمَذْكُورَةُ ‏(‏أَرْكَانٌ فِي‏)‏ كُلٍّ مِنْ ‏(‏الْخُطْبَتَيْنِ‏)‏ لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلِأَنَّ كُلَّ خُطْبَةٍ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأُخْرَى‏.‏

المتن

وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي إحْدَاهُمَا، وَقِيلَ فِي الْأُولَى، وَقِيلَ فِيهِمَا، وَقِيلَ لَا تَجِبُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ وَعْدًا لَهُمْ أَمْ وَعِيدًا أَمْ حُكْمًا أَمْ قِصَّةً‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِشَطْرِ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخِي اعْتِمَادُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِاشْتِرَاطِ آيَةٍ، وَيَعْضُدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْبُوَيْطِيِّ وَيَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ثُمَّ نَظَرَ أَوْ ثُمَّ عَبَسَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ آيَةً لِأَنَّهَا غَيْرُ مُفْهِمَةٍ‏.‏ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَيَكْفِي كَوْنُهَا ‏(‏فِي إحْدَاهُمَا‏)‏ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يُجْزِئُ أَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ قِرَاءَتِهِمَا‏.‏ قَالَ وَكَذَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ ذَلِكَ عَنْ النَّصِّ صَرِيحًا وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَيُسَنُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تَتَعَيَّنُ ‏(‏فِي الْأُولَى‏)‏ فَلَا تُجْزِئُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُخْتَصَرِ لِتَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الدُّعَاءِ بِالْمُخْتَصِّ بِالثَّانِيَةِ، وَلِأَنَّ الْأُولَى أَحَقُّ بِالتَّطْوِيلِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تَتَعَيَّنُ ‏(‏فِيهِمَا‏)‏ أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏وَقِيلَ لَا تَجِبُ‏)‏ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَسَكَتُوا عَنْ مَحَلِّهِ وَيُقَاسُ بِمَحَلِّ الْوُجُوبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ ‏"‏ ق ‏"‏ فِي الْأُولَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَوَاعِظِ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْحَاضِرِينَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ السُّنَّةُ التَّخْفِيفَ‏.‏ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ‏:‏ فَإِنْ أَبَى قَرَأَ‏:‏ ‏(‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا‏)‏ ‏[‏الْأَحْزَابَ‏]‏ الْآيَةَ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، فَإِنْ خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ طُولَ فَصْلٍ سَجَدَ مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَا تُجْزِئُ آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً‏.‏ وَاسْتَشْكَلَ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الصَّلَاةِ مِنَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَإِنْ أَتَى بِبَعْضِهَا ضِمْنَ آيَةٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ‏)‏ ‏[‏فَاطِرَ‏]‏ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْبَعْضِ دُونَ الْقِرَاءَةِ لِئَلَّا يَتَدَاخَلَا، وَإِنْ قَصْدَهُمَا بِآيَةٍ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ‏.‏ عَنْهُمَا بَلْ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ تَضْمِينَ شَيْءٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَنَحْوِهِمَا، وَخَصَّهُ جَمَاعَةٌ فِي الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏ وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ نَبَاتَةَ وَغَيْرُهُمَا‏.‏

المتن

وَالْخَامِسُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْخَامِسُ‏:‏ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ‏)‏ بِأُخْرَوِيٍّ لِنَقْلِ الْخَلَفِ لَهُ عَنْ السَّلَفِ وَيَكُونُ ‏(‏فِي‏)‏ الْخُطْبَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ‏)‏ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلِيقُ بِالْخَوَاتِمِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَعْبِيرُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ لَا يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَاتِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لَهُنَّ وَبِهِمَا عَبَّرَ فِي الْوَسِيطِ وَفِي التَّنْزِيلِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَلَوْ خَصَّ بِهِ الْحَاضِرِينَ كَقَوْلِهِ‏:‏ رَحِمَكُمْ اللَّهُ كَفَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَصَّ بِهِ الْغَائِبِينَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا ‏(‏وَقِيلَ لَا يَجِبُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْخُطْبَةِ فَكَذَا فِيهَا كَالتَّسْبِيحِ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَنَصَّ عَلَى هَذَا فِي الْإِمْلَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ، وَالْمُخْتَارُ فِي الْمَجْمُوعِ وَزِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ بِعَيْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَصْفِهِ مُجَازَفَةٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالصِّفَاتِ الْكَاذِبَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا عَرَبِيَّةً مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى

الشرحُ

ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ شُرُوطِهِمَا وَهِيَ تِسْعَةٌ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَقَالَ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا‏)‏ أَيْ الْخُطْبَةِ أَيْ أَرْكَانِهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْخُطْبَتَيْنِ ‏(‏عَرَبِيَّةً‏)‏ لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلِأَنَّهَا ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَعَلُّمُهَا وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَيَكْفِي فِي تَعَلُّمِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا وَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، فَقَدْ صَرَّحُوا فِيمَا إذَا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تَصِحُّ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَعَلُّمُهَا خَطَبَ بِلُغَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهَا الْقَوْمُ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ لُغَةً فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا ‏(‏مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى‏)‏ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ فَيَبْدَأُ بِالْحَمْدِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ، وَكَذَا أَيْضًا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُصَحِّحْ فِي الْكَبِيرِ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَيَأْتِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ الدُّعَاءِ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏

المتن

وَبَعْدَ الزَّوَالِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الشَّرْطُ الثَّانِي كَوْنُهَا ‏(‏بَعْدَ الزَّوَالِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ ‏(‏كَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا‏)‏‏.‏ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ‏)‏ وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ بَعْدَ الزَّوَالِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ‏:‏ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ، وَكَذَا جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَلَوْ جَازَ تَقْدِيمُهَا لَقَدَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْفِيفًا عَلَى الْمُبَكِّرِينَ وَإِيقَاعًا لَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ‏.‏

المتن

وَالْقِيَامُ فِيهَا إنْ قَدَرَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الشَّرْطُ الثَّالِثُ ‏(‏الْقِيَامُ فِيهِمَا إنْ قَدَرَ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ خَطَبَ قَاعِدًا ثُمَّ مُضْطَجِعًا كَالصَّلَاةِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَا أَسْتَطِيعُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ، وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا فَكَإِمَامٍ بَانَ مُحْدِثًا، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ‏.‏

المتن

وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الشَّرْطُ الرَّابِعُ ‏(‏الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ كَمَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَلَوْ خَطَبَ جَالِسًا لِعَجْزِهِ وَجَبَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ، وَلَا يَكْفِي الِاضْطِجَاعُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ هُنَا شَرْطَيْنِ وَفِي الصَّلَاةِ رُكْنَيْنِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ إلَّا الذِّكْرَ وَالْوَعْظَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ لَيْسَا بِجُزْأَيْنِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جُمْلَةُ أَعْمَالٍ وَهِيَ كَمَا تَكُونُ أَذْكَارًا تَكُونُ غَيْرَ أَذْكَارٍ‏.‏

المتن

وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الْخَامِسُ ‏(‏إسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ‏)‏ أَيْ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِأَرْكَانِهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا عَدَدُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا وَعْظُهُمْ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا كَمَا مَرَّ كَالْعَامِّيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَقَوْلُهُ‏:‏ كَغَيْرِهِ أَرْبَعِينَ‏:‏ أَيْ بِالْإِمَامِ، فَلَوْ كَانُوا صُمًّا أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ تَصِحَّ كَبُعْدِهِمْ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعِيدٌ‏.‏ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَا مَعْنَى لِأَمْرِهِ بِالْإِنْصَاتِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ الْخَطِيبُ مَعْنَى أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ كَمَنْ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ‏.‏

المتن

المتن

وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ، وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ‏)‏ فِيهَا لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ ‏(‏بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا‏)‏ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعِينَ بَلْ الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ ‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ لِلْقَوْمِ السَّامِعِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِمْ بِوُجُوهِهِمْ لِأَنَّهُ الْأَدَبُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَوْجِيهِهِمْ الْقِبْلَةَ، وَ ‏(‏الْإِنْصَاتُ‏)‏ لَهُ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافَ‏]‏ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْخُطْبَةِ، وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ لِلْحَاضِرِينَ الْكَلَامُ فِيهَا لِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت‏)‏ وَالْقَدِيمُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ فِيهَا وَيَجِبُ الْإِنْصَاتُ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلنَّدَبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ قَطْعًا وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ‏.‏ فَأَمَّا إذَا رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا تَدِبُّ عَلَى إنْسَانٍ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ قَطْعًا بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ‏.‏ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إنْ أَغْنَتْ، وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَا بَعْدَهَا وَلَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا لِلدَّاخِلِ مَا لَمْ يَأْخُذْ لَهُ مَكَانًا وَيَسْتَقِرَّ فِيهِ‏.‏ وَلَوْ سَلَّمَ دَاخِلٌ عَلَى مُسْتَمِعٍ لِلْخُطْبَةِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ السَّلَامَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ الرَّدُّ وَالسَّلَامُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ‏:‏ إنْ قُلْنَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ كُرِهَ الرَّدُّ ا هـ‏.‏ وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ، وَيُسَنُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ‏.‏ وَيَجِبُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهَا عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ الْمِنْبَرِ وَجُلُوسِهِ، وَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِ الْخَطِيبِ مِنْ الْحَاضِرِينَ نَافِلَةٌ بَعْدَ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنَقَلَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلَامِ - حَيْثُ لَا بَأْسَ، بِهِ وَإِنْ صَعَدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ مَا لَمْ يَبْتَدِئْ الْخُطْبَةَ - وَبَيْنَ الصَّلَاةِ - حَيْثُ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ - أَنَّ قَطْعَ الْكَلَامِ هَيِّنٌ مَتَى ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ وَإِذَا حُرِّمَتْ لَمْ تَنْعَقِدْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا، وَكَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ‏.‏ بَلْ أَوْلَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا هُنَا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهَا ثَمَّ‏.‏ وَتُسْتَثْنَى التَّحِيَّةُ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَالْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيُصَلِّيهَا نَدْبًا مُخَفَّفَةً وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا‏)‏ هَذَا إنْ صَلَّى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا صَلَّاهَا مُخَفَّفَةً وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ تَحِيَّةٌ كَأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا، فَإِطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَرْضًا لَا يَأْتِي بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ أَمَّا الدَّاخِلُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّاهَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَقْعُدُ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَلَوْ صَلَّاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي كَلَامِ الْخُطْبَةِ بِقَدْرِ مَا يُكْمِلُهَا‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَمَا قَالَهُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ فِيمَا ذُكِرَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَا الْإِسْرَاعُ قَالَ‏:‏ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَأَرَادَ الْوُضُوءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ‏.‏

المتن

قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمَبْسُوطِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ‏.‏

المتن

وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ

الشرحُ

وَالشَّرْطُ السَّادِسُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ‏)‏ بَيْنَ أَرْكَانِهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ لَهَا أَثَرًا ظَاهِرًا فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ شَبِيهَتَانِ بِصَلَاةِ الْجَمْعِ، وَالثَّانِي لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ، وَالتَّذْكِيرُ يَحْصُلُ مَعَ تَفْرِيقِ الْكَلِمَاتِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ سَبَقَتْ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِانْفِضَاضِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ‏.‏

المتن

وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَالسَّتْرُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الشَّرْطُ السَّابِعُ ‏(‏طَهَارَةُ الْحَدَثِ‏)‏ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ ‏(‏وَالْخَبَثِ‏)‏ غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ ‏(‏وَ‏)‏ الشَّرْطُ الثَّامِنُ ‏(‏السَّتْرُ‏)‏ لِلْعَوْرَةِ لِلِاتِّبَاعِ وَكَمَا فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ اسْتَأْنَفَهَا وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقَصُرَ الْفَصْلُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ، وَلَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَتَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَضُرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَأَمَّا سَامِعُو الْخُطْبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُمْ وَلَا سَتْرُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ‏:‏ وَأَغْرَبَ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ‏.‏ وَالشَّرْطُ التَّاسِعُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ‏.‏ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَدُعَاءٌ وَقِرَاءَةٌ وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَازٌ بِصُورَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ تَجِبُ النِّيَّةُ وَفَرْضِيَّتُهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَالسَّتْرُ وَالْمُوَالَاةُ، وَجَرَى عَلَى هَذَا الْقَاضِي أَيْ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَتُسَنُّ عَلَى مِنْبَرٍ

الشرحُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مُسْتَحَبَّاتِ الْخُطْبَةِ، فَقَالَ ‏(‏وَتُسَنُّ عَلَى مِنْبَرٍ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّبْرِ، وَهُوَ الِارْتِفَاعِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ، وَالْمُرَادُ بِهِ يَمِينُ مُصَلَّى الْإِمَامِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ هَكَذَا وُضِعَ مِنْبَرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَزَمَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَمَسَحَهُ، وَفِي أُخْرَى فَسَمِعْنَا لَهُ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ‏.‏ وَكَانَ مِنْبَرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ دَرَجٍ غَيْرَ الدَّرَجَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْمُسْتَرَاحَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِيهَا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ إنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَ عَنْ مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَرَجَةً، وَعُمَرَ دَرَجَةً أُخْرَى، وَعُثْمَانَ دَرَجَةً أُخْرَى، ثُمَّ وَقَفَ عَلِيٌّ عَلَى مَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ بَعْضِهِمْ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، وَالْمُخْتَارُ مُوَافَقَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ‏.‏ نَعَمْ إنْ طَالَ الْمِنْبَرُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ فَعَلَى السَّابِعَةِ‏:‏ أَيْ لِأَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ زَادَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ الْأَوَّلِ سِتَّ دَرَجٍ، فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً‏.‏ وَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَقِفُونَ عَلَى الدَّرَجَةِ السَّابِعَةِ، وَهِيَ الْأُولَى مِنْ الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ فِعْلَ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ الْخَطَابَةُ بِمَكَّةَ عَلَى مِنْبَرٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْبَابِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَ الْمِنْبَرَ بِمَكَّةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ‏.‏

المتن

أَوْ مُرْتَفِعٌ‏.‏

الشرحُ

وَيُكْرَهُ مِنْبَرٌ كَبِيرٌ يَضِيقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَيُسَنُّ التَّيَامُنُ فِي الْمِنْبَرِ الْوَاسِعِ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى مَوْضِعٍ ‏(‏مُرْتَفِعٍ‏)‏ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَنَدَ إلَى نَحْوِ خَشَبَةٍ كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ فِعْلِ الْمِنْبَرِ‏.‏

المتن

وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيَجْلِسُ ثُمَّ يُؤَذَّنُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُسَلِّمُ‏)‏ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ، وَ ‏(‏عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ‏)‏ نَدْبًا إذَا انْتَهَى إلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ‏.‏ وَلَا يُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ‏)‏ الْمِنْبَرَ أَوْ نَحْوَهُ أَوْ اسْتَنَدَ إلَى مَا مَرَّ وَانْتَهَى إلَى مَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَوْ اسْتَنَدَ إلَى مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ ‏(‏وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ إقْبَالُهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَهَا فَإِنْ كَانَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ كَانَ خَارِجًا عَنْ مَقَاصِدِ الْخِطَابِ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ اسْتَدْبَرُوهُ لَزِمَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ لَزِمَ تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ وَتَرْكُهُ لِوَاحِدٍ أَسْهَلُ ‏(‏وَيَجْلِسُ‏)‏ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ ‏(‏ثُمَّ يُؤَذَّنُ‏)‏ بِفَتْحِ الذَّالِ فِي حَالِ جُلُوسِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ‏.‏ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِهَا لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ كَوْنِ الْأَذَانِ الْمَذْكُورِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَمَاعَةٍ كَمَا اسْتَحَبَّهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا جَمَاعَةُ الْمُؤَذِّنِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَذَّنُوا جَمَاعَةً كَرِهْت ذَلِكَ، وَلَا يُفْسِدُ شَيْءٌ مِنْهُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ إلَيْهَا‏.‏ وَفِي الْبُخَارِيِّ ‏(‏كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ أَمَرَهُمْ بِأَذَانٍ آخَرَ عَلَى الزَّوْرَاءِ‏)‏ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا‏.‏

المتن

وَأَنْ تَكُونَ بَلِيغَةً مَفْهُومَةً قَصِيرَةً‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ تَكُونَ‏)‏ الْخُطْبَةُ ‏(‏بَلِيغَةً‏)‏ أَيْ فَصِيحَةً جَزْلَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبْتَذَلِ الرَّكِيكِ ‏(‏مَفْهُومَةً‏)‏ لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً، إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ‏.‏ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ‏:‏ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏.‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ يَكُونُ كَلَامُهُ مُسْتَرْسِلًا مُبِينًا مُعْرِبًا مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَلَا تَمْطِيطٍ‏.‏ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ وَتُكْرَهُ الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ وَالْبَعِيدَةُ عَنْ الْأَفْهَامِ وَمَا تُنْكِرُهُ عُقُولُ الْحَاضِرِينَ ‏(‏قَصِيرَةً‏)‏ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ ‏(‏أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ‏)‏ بِضَمِّ الْخَاءِ، فَتَكُونُ مُتَوَسِّطَةً كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا‏)‏ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْقِصَرَ وَالطُّولَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، فَالْمُرَادُ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ إقْصَارُهَا عَنْ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا عَلَى الْخُطْبَةِ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّ إقْصَارَ الْخُطْبَةِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى ‏"‏ ق ‏"‏‏.‏

المتن

وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا، وَ‏)‏ لَا ‏(‏شِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا‏)‏ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا وَلَا يَعْبَثُ بَلْ يَخْشَعُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا الْحَاضِرُونَ أَجْزَأَ ذَلِكَ وَكُرِهَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَا شِمَالًا بِزِيَادَةِ لَا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ إذَا الْتَفَتَ يَمِينًا فَقَطْ أَوْ شِمَالًا فَقَطْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَوْ حَذَفَهُمَا لَكَانَ أَعَمَّ وَأَخْصَرَ‏.‏

المتن

وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَعْتَمِدُ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ‏)‏ كَقَوْسٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا‏)‏، وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ، وَلِهَذَا يُسَنَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ، وَيُشْغِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سَكَّنَ يَدَيْهِ خَاشِعًا بِأَنْ يَجْعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسِلَهُمَا‏.‏ ‏.‏ وَيُكْرَهُ فِي الْخُطْبَةِ مَا ابْتَدَعَهُ الْخُطَبَاءُ الْجَهَلَةُ مِنْ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا، وَمِنْ الِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَفِي دَقِّ الدَّرَجِ فِي صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ بِسَيْفٍ أَوْ بِرِجْلِهِ أَوْ نَحْوِهَا، وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِاسْتِحْبَابِهِ، وَالشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ يُونُسَ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ فِيهِ تَفْخِيمٌ لِلْخُطْبَةِ وَتَحْرِيكٌ لِهِمَمِ السَّامِعِينَ وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً وَالدُّعَاءُ إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ قَبْلَ الْجُلُوسِ لِلْأَذَانِ، وَرُبَّمَا تَوَهَّمُوا أَنَّهَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ وَهُوَ جَهْلٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ جُلُوسِهِ‏.‏ وَأَغْرَبَ الْبَيْضَاوِيُّ، فَقَالَ‏:‏ يَقِفُ فِي كُلِّ مِرْقَاةٍ وَقْفَةً خَفِيفَةً يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْمَعُونَةَ وَالتَّشْدِيدَ، وَمُبَالَغَةَ الْإِسْرَاعِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ بِهَا، وَالْمُجَازَفَةِ فِي وَصْفِ السَّلَاطِينَ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ، وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ كَمَا مَرَّ، إذْ يُسَنُّ الدُّعَاءُ بِإِصْلَاحِ وُلَاةِ الْأُمُورِ‏.‏ وَيُكْرَهُ الِاحْتِبَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ ظَهْرَهُ وَسَاقَيْهِ بِثَوْبِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ فَيَمْنَعُهُ الِاسْتِمَاعَ‏.‏

المتن

وَيَكُونُ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَكُونُ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ ‏(‏نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ‏)‏ اسْتِحْبَابًا، وَقِيلَ إيجَابًا، وَهَلْ يَقْرَأُ فِيهَا أَوْ يَذْكُرُ أَوْ يَسْكُتُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ لَكِنْ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ ‏"‏ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا ‏"‏‏.‏ وَقَالَ الْقَاضِي‏:‏ إنَّ الدُّعَاءَ فِيهَا مُسْتَجَابٌ‏.‏ وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ‏:‏ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ‏.‏

المتن

وَإِذَا فَرَغَ شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَإِذَا فَرَغَ‏)‏ مِنْ الْخُطْبَةِ ‏(‏شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ‏)‏ مِنْ الْإِقَامَةِ، كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ تَحْقِيقًا لِلْمُوَالَاةِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْحَاضِرِينَ‏.‏

المتن

وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ جَهْرًا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَقْرَأُ‏)‏ نَدْبًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ‏(‏فِي‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الْأُولَى الْجُمُعَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ‏)‏ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ‏(‏الْمُنَافِقِينَ‏)‏ بِكَمَالِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ فَلَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ أَدَّى إلَى تَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى لِتَأْكِيدِ السُّورَتَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ بِالْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ بِالْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَةِ‏.‏ وَرَوَى أَيْضًا ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ - ‏(‏سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏)‏ الْأَعْلَى‏:‏ وَ - ‏(‏هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ‏)‏ الْغَاشِيَةُ‏)‏‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ‏.‏ فَهُمَا سُنَّتَانِ، وَقِرَاءَةُ بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى ثَنَاءٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏.‏ وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الْجُمُعَةِ ‏(‏جَهْرًا‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ الْكِتَابِ بِلَا تَمْيِيزٍ‏.‏ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَسْبُوقِ الْجَهْرُ فِي ثَانِيَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ‏.‏ وَمِنْ الْبِدَعِ فِي الْخُطْبَةِ ذِكْرُ الشِّعْرِ فِيهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏.‏ قَالَ الْقَمُولِيُّ‏:‏ وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ كَتْبُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْأَوْرَاقَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا حَفَائِظَ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَالِاتِّعَاظِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ، وَكِتَابَةُ كَلَامٍ لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ‏:‏ كَعَسْلَهُونٍ، وَقَدْ يَكُونُ دَالًّا عَلَى مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏